تصدّرت واجهة المشهد الأمني في الأيام الماضية مدينة “السويداء” التي تقع علي بُعد 100 كيلو متر من جنوب شرق “دمشق” بعد اندلاع مواجهات عنيفة بين فصائل محلية “درزية” ومجموعات مسلحة عشائرية من “البدو”. وقد كان الطريق الحيوي الذي يصل مدينة “السويداء” بـ “دمشق” هو الشرارةَ الأولى لتلك الاشتباكات التي جاءت نتيجة حادثة سطو استهدفت تاجراً “درزي” علي هذا الطريق، لتقوم عائلته بهجوم انتقامي وخطف عدد من “البدو”، وهذا ما أشعل الصراع المُسلح بين الجانبين والقيام بعمليات خطف متبادلة فيما بينهما.
تأسيساً علي ما سبق نحاول في هذا التحليل إلقاء الضوء علي أهمية هذا الطريق الحيوي، والوضع الأمني به في إطار الأحداث الأخيرة .
ممر حيوي:
طريق ” دمشق – السويداء ” هو الطريق الذي يربط بين العاصمة السورية ” دمشق ” ومحافظة ” السويداء ” في جنوب سوريا ، فهو يعد الشريان الحيوي الأهم للسويداء ” المعقل الأكبر للدروز في سوريا “، حيث تبلغ المسافة بين مدينة السويداء ودمشق حوالي 100 كيلو متر تتبع إدارياً لثلاث محافظات (السويداء ودرعا وريف دمشق).
وتأتي أهمية هذا الطريق من كونه الممر الرئيسي الذي يسلكه سكان ” السويداء ” إلى “دمشق ” وريفها والعكس، وذلك بسبب وجود تجمعات سكانية كبيرة لأبناء الطائفة “الدرزية” في بعض أحياء العاصمة ” دمشق ” مثل ” باب مصلى وركن الدين” وكذلك تجمعات كبيرة في بلدات “جرمانا وأشرفية وصحنايا والدير علي”، وغالباً ما يُستخدم هذا الطريق لنقل الركاب والبضائع بين المدينتين والمناطق المحيطة بهما.
وعليه، يُعتبر طريق “دمشق – السويداء” جزءاً من شبكة الطرق الرئيسية في سوريا لأهميته التجارية والاجتماعية ، بالإضافة إلي كونه جزءاً من شبكة الطرق التي تربط سوريا بدول الجوار كالأردن مما يجعله طريقاً دولياً مهماً أيضاً.
مصدر توتر:
أتت الاشتباكات الأخيرة بـ ” السويداء” بعد أشهر من التوصل إلي اتفاق تهدئة بين الحكومة السورية وأعيان الطائفة “الدرزية” هناك عقب مواجهات عنيفة مع قوات الأمن السورية بإبريل ومايو2025 ، حيث قضي الاتفاق بتفعيل الشرطة داخل محافظة “السويداء” علي أن تتولي الحكومة السورية مسؤولية حماية طريق “دمشق – السويداء” ، فطالما كان الطريق مصدر توتر بين “البدو” و”الدروز” منذ فترة نظام ” بشار الأسد “، حيث تحكمت بالطريق بعض الجماعات المسلحة والخارجة عن القانون، ومارست عليه السطو دون تفريق مهددةً بذلك أهالي ” السويداء “، كما اتخذت هذه الجماعات هذا الممر كوسيلة لأعمال انتقامية على خلفيات طائفية. فخلال أحداث الأزمة السورية بعد 2011 تحولت “السويداء” إلى ملاذ آمن لكثير من المتخلفين عن الخدمة والمتوارين عن أنظار السلطات والمطلوبين بسبب مواقفهم السياسية المعارضة للنظام نتيجة رفض واسع للشباب “الدروز” لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش ” الأسد”. ورغم أن النظام ضيّق الخناق أحياناً عبر حملات تجنيد قسرية، إلا أنه غالباً ما تجنّب صداماً واسعاً مع الجماعة “الدرزية”، ومنذ عام 2012 برُزت ظاهرة الاعتماد على جماعات مسلحة محلية للحماية وتوفير مصادر دخل بديلة بالمحافظة .
وقد شهد الطريق عدة اشتباكات منذ سقوط نظام “الأسد” نتج عنها عدد من الضحايا المدنيين المتجهين إلي “دمشق” أو بقية المدن السورية الأخرى، هو ما دفع الحكومة لوضع بعض الحواجز الأمنية ومرافقة العديد من المركبات العابرة في محاولة لضبط الأمن وتأمين العابرين،. ورغم هذه المحاولات، إلا أن المسافات الكبيرة وضعف القدرات العسكرية لم تثمر في حماية العابرين بشكل مثالي. فمنذ سقوط نظام ” الأسد ” لم يدخل الجيش السوري الجديد إلى “السويداء” ولم تفرض حكومة دمشق الجديدة سيطرتها الفعلية عليها إلا عبر اتفاقات تهدئة بين الحكومة السورية وأعيان من الطائفة “الدرزية”. وقد حاولت الحكومة الحالية فرض السيطرة على هذا الطريق وضبط الأمن فيه، إلا أن استمرار حوادث الخطف على غرار ما جرى للتاجر ” فضل الله دوارة ” الذي كان سبب الشرارة لأحداث “السويداء” الأخيرة دلل على فشل واضح على هذا الصعيد .
وضع مُقلق:
تجددت الجمعة 18 يوليو 2025 الاشتباكات العنيفة بين عشائر من البدو ومجموعات درزية في محيط مدينة “السويداء” بعد انسحاب القوات الحكومية منها، وتوصل الحكومة السورية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع أهالي “السويداء” لوضع حدٍ للاشتباكات المستمرة في المدينة خلال الأيام الأخيرة، والذي نص على تشكيل لجنة مراقبة مكونة من الدولة السورية والمشايخ “الدروز” للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار وضمان الالتزام به، ونشر حواجز الأمن الداخلي والشرطة من الدولة، ومنتسبي الشرطة من أبناء محافظة “السويداء” في جميع أنحاء مدينة “السويداء” والمناطق المجاورة، وكذلك تأمين طريق “دمشق – السويداء” من قبل الدولة وضمان سلامة المسافرين.
وعلي الرغم من إعلان الزعيم الدرزي الشيخ “يوسف جربوع” تأييده للاتفاق، إلا أنه في المقابل عبّر الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا الشيخ ” حكمت الهجري” عن رفضه الصريح للاتفاق، مكررًا أنه لا يوجد أي ” تفاوض أو تفويض” مع الحكومة السورية، مهددًا بمحاسبة اجتماعية لكل من يتواصل مع الدولة بشكل فردي، وذلك في استمرار لنهج التصعيد ورفض الحلول المؤسسية ذلك كله في وقت حساس يشهد فيه الجنوب تدخلات إسرائيلية تستغل حالة الفوضى .
وختاماً، إن تجدد الاشتباكات من جديد في محيط ” السويداء” جعل من الاتفاق الأخير ما هو إلا خطوة للتهدئة ومحطة انتقالية وليس نهاية للتصعيد. فاحتمالات التصادم مازالت قائمة بين المجموعات المسلحة بالمحافظة وبالمناطق المجاورة، هو ما ينذر بتداعيات سياسية وأمنية، هذا فضلاً عن وجود تداعيات اجتماعية مقلقة كتأثر صورة محافظة “السويداء” داخل النسيج السوري. فمع تأثر ملايين السوريين من مشاهد القصف الإسرائيلي لقلب العاصمة “دمشق” تشكلت حالة من النقمة الشعبية بدأت تنعكس سريعًا على شكل حملات محلية تدعو إلى مقاطعة سكان السويداء اقتصاديا، هو ما قد يهدد بعزل المحافظة اجتماعيا واقتصاديا عن محيطها ويزيد من تأثر فئات محددة بهذه الموجة مثل طلبة الجامعات والموظفين الذين قد يترددون في مغادرة “السويداء” خشية التعرض لمواقف عدائية ما سيزيد الوضع سوء ويزيد من حدة التمييز ضد سكان ” السويداء ” ما سيولد موجة جديدة من الأعمال العدائية والاشتباكات المسلحة والتي سيكون طريق ” دمشق – السويداء ” شرارة لمعظمها من جديد.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الطريق ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الطريق ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مصر اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مصر اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.