غير مصنف / مصر اليوم

رمسيس الثانى.. حارس التاريخ يستقبل زوار المتحف المصرى الكبير

بهيبته الملكية وملامحه التى تعكس القوة والشجاعة، يقف تمثال رمسيس الثانى شامخا فى البهو العظيم للمتحف المصرى الكبير، يستقبل الزوار من كل أنحاء العالم وكأنه يقول لهم: مرحبا بكم فى أرض الخلود.

لم يكن اختيار تمثال الملك رمسيس الثاني ليكون أول ما يراه الزائر عند دخول المتحف صدفة، بل تكريما لملك يعد من أعظم فراعنة مصر، ورمزا للعظمة والخلود في ذاكرة الحضارة الإنسانية.

ولد رمسيس الثاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وتولى الحكم وهو في أوائل العشرينات من عمره، ليقود مصر في واحدة من أزهى فترات مجدها، ودام حكمه نحو 67 عاما، وهي من أطول فترات الحكم في التاريخ القديم، فاستحق أن يلقب بـ"رمسيس العظيم".

لم يكن رمسيس الثاني مجرد ملك، بل كان قائدا عسكريا بارعا، وإداريا حكيما، وفنانا أحب الجمال والعمارة.. وفي عهده، امتدت حدود مصر من الشمال إلى الشام ومن الجنوب إلى أعماق النوبة، وشهدت البلاد ازدهارا اقتصاديا وثقافيا هائلا.

خاض رمسيس الثاني أشهر معاركه ضد الحيثيين، وهي معركة قادش التي خلدها على جدران المعابد في مشهد درامي يسجل تفاصيل المواجهة بشجاعة نادرة، وبعد انتهاء المعركة، وقع أول معاهدة سلام موثقة في التاريخ، ما يعكس بعد نظره السياسي وقدرته على الجمع بين السيف والدبلوماسية.

وفي عهد رمسيس الثاني، تحولت مصر إلى ورشة بناء عملاقة، إذ أقام عشرات المعابد والتماثيل والنقوش التي تحمل بصمته، حتى إن بعض المؤرخين قالوا: "كل حجر في مصر يحمل اسم رمسيس الثاني".

ومن بين أبرز إنجازاته معبدا أبو سمبل في أقصى جنوب مصر، وهما من أعظم المعابد المنحوتة في الصخر، حيث نحتت واجهتهما الضخمة بأربعة تماثيل عملاقة له بارتفاع نحو 20 مترا، كما أمر بتشييد معبد الرمسيوم في طيبة، ليكون معبدا جنائزيا يخلد ذكراه.

لكن التمثال الذي صار اليوم نجم المتحف المصري الكبير لم ينحت لأبو سمبل ولا للرمسيوم، بل وجد في منطقة ميت رهينة (منف)، العاصمة القديمة لمصر، وكان شاهدا على مجد مدينة كانت يوما قلب العالم القديم.

تمثال رمسيس الثاني الذي يقف اليوم في بهو المتحف المصري الكبير يبلغ وزنه نحو 83 طنا ويصل ارتفاعه إلى أكثر من 11 مترا، وهو منحوت من حجر الجرانيت الوردي القادم من أسوان.

اكتشف التمثال في ثلاثينيات القرن العشرين على يد عالم الآثار الإيطالي جيوفاني كافيجليا، وقد كان ملقى على الأرض في قرية ميت رهينة قرب منف. ورغم تآكل بعض أجزائه مع الزمن، ظل محتفظا بروعة ملامحه ودقة نحته، حتى صار من أبرز القطع الأثرية التي ترمز إلى عظمة مصر القديمة.

في خمسينيات القرن الماضي، قررت الدولة المصرية نقله من مكانه الأصلي إلى ميدان رمسيس في قلب القاهرة، ليكون شاهدا على نهضة العاصمة الحديثة، وليتوسط الميدان الذي حمل اسمه لعقود طويلة.

وفي الميدان المزدحم، اعتاد المصريون والسياح أن يلتقطوا الصور بجواره، حتى صار رمزا بصريا للعراقة المصرية في قلب الزحام.. لكن مع مرور الزمن، تعالت الأصوات المطالبة بإبعاد التمثال عن موقعه وسط التلوث والاهتزازات الناتجة عن حركة المرور والقطارات، حفاظا عليه من التدهور.. وفي عام 2006 قررت الحكومة المصرية نقله إلى موقعه الجديد أمام المتحف المصري الكبير في الجيزة، تمهيدا لاستقباله الزوار عند افتتاحه.

وكانت عملية النقل واحدة من أعقد عمليات النقل الأثري في التاريخ الحديث.. شارك فيها عشرات المهندسين وخبراء الآثار، واستخدمت تقنيات هندسية متطورة لضمان سلامة التمثال خلال الرحلة التي امتدت أكثر من 30 كيلومترا من ميدان رمسيس حتى موقعه الجديد.
استغرقت العملية ساعات طويلة وسط متابعة إعلامية عالمية واحتفاء شعبي واسع، حيث رافق المصريون تمثال ملكهم العظيم في رحلته، كأنهم يودعون رمزا قديما ليولد من جديد في مكان يليق به.

وفي عام 2018، خضع التمثال لعملية نقل أخيرة داخل المتحف نفسه، حيث جرى تثبيته في البهو العظيم أمام الواجهة الزجاجية المطلة على الأهرامات، في مشهد مهيب يجمع بين رمز الحكم القديم ورموز الخلود الثلاثة.

والآن، يقف رمسيس الثاني في بهو المتحف المصري الكبير كأنه الحارس الأبدي للتاريخ المصري، حيث تتسلل أشعة الشمس من الواجهة الزجاجية لتضيء ملامحه عند شروق النهار، في مشهد يجسد التواصل بين الماضي والحاضر.

وحول التمثال، تعرض عشرات القطع الأثرية من عصره، لتروي حكاية ملك آمن بالخلود، فخلده التاريخ.

ليس غريبا أن يكون هذا التمثال أول ما يراه الزائر، فهو رمز لعالم كامل من العظمة المصرية، ورمز لفكرة أن الحضارة لا تموت، بل تتجدد مع كل جيل.

إنه ليس مجرد أثر، بل روح مصر القديمة في ثوب حديث، تحرس تاريخها وتفتتح مستقبلها بثقة ملوكها.

وفي البهو العظيم للمتحف المصري الكبير، يقف رمسيس الثاني ليقول للزوار "حكمت مصر قبل ثلاثة آلاف عام، وها أنا أستقبلكم اليوم"..
رمسيس الثاني حارس التاريخ بحق، وسفير الحضارة المصرية إلى العالم، ووجه المتحف الذي يختصر قصة وطن آمن بأن مجده لا يقاس بالسنوات، بل بما تركه من أثر خالد في ذاكرة الإنسانية.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مصر اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مصر اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا