الارشيف / فن / عكاظ

«تهلل» تكسر شكل الكتابة في تجربة القاص محمد علوان!

يدخل القاص محمد علي علوان عالماً جديداً من الكتابة السردية، يختلف عن كتاباته القصصية السابقة (6 مجموعات قصصية كان لها حضورها المهمّ والمؤثر في المشهد الثقافي السعودي تحديداً، والعربي من خلال مجموعته القصصية الأولى «الخبز والصمت» التي قدم لها الكاتب الكبير يحيى حقي، وليس انتهاء بآخر مجموعاته القصصية «طائر العشا» التي طبعتها دار سطور عربية في )، أقول يختلف، لأنّه لم يقل إنها قصص، ولا رواية، بل حكايات طويلة تجمعها ذاكرة جبل تهلل، ويشكّلها الواقع الذي عاش المؤلف جزءاً منه وسمع عن جزئه الآخر!

علوان في هذه النصّ السردي الطويل يعيد رسم هذه الأحداث، والتحليق بها معتمداً على سنواته الطويلة التي سكن فيها داخل نصّ قصصي محكوم بإطار معين، ووفق نفس كتابي محدود!

لم يشأ المؤلف أن يصف عمله هذا بأنه «رواية» لكنه فضّل أن يكون «حكايات» في 100 صفحة من القطع المتوسط صدرت خلال معرض الرياض الدولي للكتاب عن دار تشكيل للنشر والتوزيع، وبغلاف يحاكي بيئة هذه الحكايات رسمه الفنان اللبناني أسعد شحادة.

نحن إذن أمام نصّ طويل لا نحاكمه فنياً بأدوات القصة التي يكتبها علوان منذ العام 1977 (1397هـ) بشكل حديث، وأدوات متقنة، ولا يمكن محاكمته أيضاً بأدوات العمل الروائي الذي لم يجرّبه (وإن كنت أعلم نيته على ذلك منذ سنوات، إلاّ أنّ هذا لم يتحقق بعد)!

كتاب «تهلل.. حكايات الجبال» يعتمد في بنائه على حكايتين، ربما كانتا حقيقيتين، إلاّ أنّ الكاتب فضّل أن يبعدهما عن الواقع، ويعيد تشكيلهما في مكان مفتوح، وفضاء معلوم، يستعيد بهما ومن خلالهما شيئاً من ذاكرة المكان، ويضيء من خلال هاتين الحكايتين تاريخاً إنسانياً ونشاطاً اجتماعياً وموروثاً وتقاليد اجتماعية لم يعد لها حضور إلا في الذاكرة الشعبية التي خاف عليها أن تضمحل في ذاكرة سكانها الذين ذرعوها على أقدامهم منذ ولادتهم نساء ورجالاً!

هاتان الحكايتان كان المدخل إليهما ذاكرة الراوي العليم، الذي فضّل ذاكرته مدخلاً لهاتين الحكايتين، معتمداً على الابتسار، وتداخل الزمن، وتشابك الأحداث، وضغط المشاهد الكتابيّة بشكل لافت.

الحكاية الأولى بطلاها «حنش» و«نالة» فيما الحكاية الثانية بطلاها طبيب سوري من حمص وفتاة قروية «شريفة» من بيئة تهامية نائية يربطهما زواج خرج عن إطار المجتمع وعاداته وتقاليده!

أما الرابط الأهمّ في هذا النصّ السردي الطويل فهو جبل (تهلل) الذي نبتت فيه هذه الحكايات، واستلهمت حضورها منه، إذ تدرجت هذه الحكايات ما بين تهامة والسراة، لكنّ المَعْبر بالنسبة لها إلى هذا العالم كان جبل «تهلل» الذي تحول مع الوقت إلى أسطورة!

حاول القاص محمد علي علوان في كتابه «تهلل.. حكايات الجبال» أن يوازن بين لغة السارد ولهجة أهل المكان إلا أنّ لغة السارد كانت أكثر انتصاراً في هذا النصّ السردي الطويل وإن لم تخل هذه الحكايات من جمل لافتة مثل «في ذمتي.. التهامية حلاة» وإن كنت أميل إلى «امتهامية» كما ينطقها أهل المكان!

ما استوقفني كقارئ لهذا العمل الذي لم يخل من هنات كنت أتمنّى لها ألا تقع من كاتب متمرّس يشار إليه بالبنان، ولعلّ من أبرز هذه الوقفات الركاكة الأسلوبيّة «ابتسم لي مشجعاً لي» ص 21، و«بعيداً عن قريتي التهامية بعيداً» ص 21، و«غادر حمص مغادراً إلى دمشق» ص 63، إضافة إلى التكرار للضميرين المتصلين «التي/‏الذي» في صفحات كثيرة من هذا العمل دون وجود مبرّر لهذا التكرار، ويمكن الإشارة هنا إلى واحدة من هذه الصفحات (ص 61) التي ورد هذان الضميران فيها (5) مرات في أقلّ من 8 سطور، وتكراره في صفحات أخرى، ليكون الضميران المتصلان (التي/‏الذي) سيّدا الموقف، وبطلاه في هذا النصّ!

أما الاختلالات السردية في النصّ فيمكن الإشارة إليها من خلال نماذج محدودة في هذه العجالة كموقف الطبيب السوري ص 70 من «ابن هادي» شقيق زوجة المستقبل «شريفة» مع أنّ «جابر» في ص 68 ذكر للطبيب أنّ «أخو الجماعة» ابن هادي سيكون ضيفاً من ضيوفه بحضور الطبيب!

أما «المعزبة» التي فوجئ بها الطبيب ص 72 فلم يكن هناك ما يبرر هذه المفاجأة بعد أن تعرّف الطبيب على مثيلة لها ص 58 بات عندها ليلة في عزبة صغيرة تملكها، وهيأت له قرصاً من البرّ والقليل من السمن وفراشاً للمبيت بثمن معلوم!

الوقفة الأخيرة في هذه القراءة مع لهجة المكان التي تمّ توظيفها في هذا النصّ السردي بتقشّف لا مبرّر له مع أنّ الحوارات كانت مناسبة جيدة لدخول هذه اللغة المحكيّة في النصّ السردي، إما كمفردة «ولدي» في النصّ بدلاً من «بني» و«قهوة ابن مفتاح» بدلاً من «مقهى ابن مفتاح» إذ لم تدخل كلمة «مقهى» في قاموس المكان إلا في وقت قريب، وكلمة «أشوفك» بدلاً من «أراك» و«رجلي» بدلاً من «قدمي» و«تحطّ» بدلاً من «تضع».

أما الأخطاء النحوية في هذا العمل فيبدو أن ظهورها لم يكن مقصوداً، بل كان نتيجة الاستعجال في إخراج هذا العمل في وقت قصير يوافق معرض الرياض الدولي للكتاب، ويمكن الإشارة إلى بعض هذه الأخطاء، مثل «قصصاً ص 9/‏ شيئاً ص 15 /‏ أثرٌ ص 37 /‏ كأساً ص 43 /‏ شيءٌ ص 53».


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا