الارشيف / فن / اليوم السابع

صفاء الليثي تكتب: مسار إجبارى.. المهاجرة من السينما نادين خان وكسر أنماط العلاقات السائدة دراميا

ما زال بعض فنانى السينما لا يعتبرون المسلسل- وكنا نسميه زمان التمثيلية- نوع من الفن ولكن منذ هجرة مخرجى الأفلام إليه أصبح فنا له خصوصيته وأصبحنا نشاهد تمثيلية بتقنيات فن السينما بكل ما يميزه من التصوير بكاميرا واحدة، إضاءة فنية غير منتشرة وأداء تمثيلى بعيد عن الخطابة وجمل الحوار الرنانة.

آخر المهاجرات من السينما إلى الدراما التليفزيونية المخرجة نادين خان بعد عمل مختلف فى سينما جديدة  بفيلم «هرج ومرج» وبعد «أبو صدام» أفضل فيلم عرض عام 2022 طبقا لاستفتاء النقاد المصريين، وبعد مشاركتها هبة يسرى وأيتن أمين فى مسلسل «سابع جار» المختلف تماما عن السائد، ونجاح نسختها من «ليه لأ»، ثم عملها الذى رسخ أسلوبها «مين قال» بطولة أحمد داش ومجموعة شباب وفتيات وفى الخلفية جمال سليمان ونادين، وحين تصدر أفيشات عملها الأخير «مسار إجبارى» الشابان أحمد داش وعصام عمر تأهبت لمتابعة عمل يغوص أكثر فى عالم الشباب ويكشف عن طموحاتهم وما يواجهونه من تحديات.

فى الحلقة الأولى قدمت عرضا متوازيا لكل من على وحسين، ولم تنته الحلقة إلا مع تحول السرد من التوازى إلى التقاطع وانزوت بهجة كفاحهما لإثبات الذات والاستقلال إلى الانغماس فى مشكلة كبرى تركها لهما الأب إرثا ثقيلا محملا بكل عناصر فساد الكبار، عارا يحملانه بعد انكشاف تورط الأب فى الفساد بحجة تلبية الاحتياجات المادية لزوجتيه والأبناء.

وعلى غرار الفكرة الأساسية لفيلم «العار» أصبح لزاما على الورثة اتخاذ قرار مصيرى، هل سينقذون ضحية فساد الأب وينكشف ستره ويتم فضحهم؟ أم يسلمون الدليل لمجموعة الشر وينجون بأنفسهم؟ طبيعة الدراما فى حلقات تجعل المشاهدين شركاء فى القرار الذى يجب اتخاذه، وينقسم المشاهدون ويقول الواحد منهم، أنا لو مكانه لفعلت كذا، أو كذا.

تجنح الدراما التليفزيونية التى تدخل كل بيت إلى تفضيل الاختيار الأخلاقى مهما كانت النتائج، وهو ما صرحت به صابرين «إحسان أو أم على» وأيدتها بسمة «عنايات أو أم حسين»، أحد ملامح « مسار إجباري» كسره أنماط طبيعة العلاقات السائدة فلن نرى كيدا للنساء أو غيرة مدمرة بين الضرتين، والضرة تعبير شعبى عن زوجة ثانية لرجل واحد، اتسمت العلاقة بين إحسان وعنايات بنوع من الرقى، يندرج تحت فكرة و(لم لا) التى تبناها مجموعة من شباب الفنانين ومنهم نادين خان وفريق الكتابة لعملها، نعم لم لا تكون العلاقة بين الضرتين حضارية اتساقا مع أولوية كل منهما فى رعاية مصالح الأبناء، فما أجمل أن يلتقى حسين- صاحب صاحبه- بأخ حقيقى لا مجازا ويتساند معه لمواجهة أشرار الحكاية، شيطان السلطة والمال المحامى مجدى حشيش والزوجة التى خانها زوجها فتدفع به إلى حبل المشنقة انتقاما واتساقا مع ميلها للمكسب المادى بأى ثمن.

العمل مزيج من الإرث التقليدى للدراما المصرية يتضح من أسماء الشخصيات، المحامى الفاسد «مجدى حشيش» اسم مستوحى من أجواء أفلام العصابات فى مرحلة الأبيض والأسود، إحسان هانم ونعنانة بنت البلد، مع أجواء معاصرة لخبراء الداتا والكشف عن الأجهزة.

افتقدت مشاهد عربة الطعام مشروع حسين، ودروس على للمحاماة التى بدأ بهما العمل وكأننا مجبرين كما أبطال العمل على الانغماس فى مستنقع الفساد الموحل الذى لا فكاك منه.

يسهم أسلوب نادين خان فى التصوير فى الشوارع وأحياء القاهرة التى تؤكدها عناوين النهاية، والكشف التدريجى الذى يأتى من بحثهما عما يخفيه الأب يسهم فى دفع السرد نحو التشويق كنوع فنى متجاوزا نوع الدراما الاجتماعية التى تجرى فى بيوت الطبقة الوسطى وأصحابها جالسون على مقاعدهم المريحة، يتخذ على وحسين من جراش صديق على ما يشبه مسرحا للعمليات ينضم إليهما الشاب الذى يفك طلاسم الأجهزة، نمط جديد ومختلف لهذه المهنة النى انتشرت مؤخرا وأصبحت أداة لصناع الدراما بديلا عن المحقق البوليسى والمصور الصحفى فى الأعمال القديمة، يتغير الواقع وتتغير معه وسائل التعبير عنه ويصبح المسلسل معاصرا وآنيا، معبرا عن الحال فى القاهرة مصر المعاصرة، مرآة نرى فيها واقعنا بكل ظلامه، لم تجمل نادين خان هذا الواقع بل وجهت إلينا صفعة قوية بعد أقل من نصف الساعة فقط ، هل فرحتم بشبابنا المكافح؟ كلا أفيقوا، أبوهم المحب كاذب وخائن ومتورط فى الفساد، ترك إرثا من الديون، عار علينا مواجهته مهما كانت النتائج.

لمن يتوجه العمل؟ ولماذا لم يحقق انتشارا جماهيريا يعادل محتواه؟ فى حوار مع سائق تاكسى قال لى «مسار إجبارى» دى فرقة غنا من شباب اليومين دول، عنوان العمل أوحى لهذا المواطن أن العمل عن شباب الفرقة الموسيقية، وبالطبع لم يجد دافعا ليتابعه.

الصورة المعتمة أو بإضاءة طبيعية بعيدا عن جماليات الصورة السياحية -الكارت بوستال-، وأداء الممثلين البعيد عن التشنج والمبالغة، عوامل جاذبة لمشاهد من نوع خاص، غالبا لا يشاهد التمثيليات، عفوا المسلسلات، اختيار مسار إجبارى كأغنية لعنوان العمل يتسق مع ذوق نادين خان فى الموسيقى وكلمات الأغانى وطريقة الأداء عنوانا ومدخلا مناسبا لعملها الموجه للطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة.

مريم أبو عوف مخرجة الوحدة الثانية، قدمت «وش وضهر» عملا قصيرا أيضا فى عشر حلقات تدور أحداثه فى مدينة طنطا، عاصمة محافظة الغربية، اتسم أسلوبها بواقعية كاشفة عن خفايا فى المجتمع المصرى بالتركيز على الطبقة العاملة وعلاقتها بشريحة أعلى من الطبقة الوسطى، بدرجة ما هى ونادين خان تمثلان امتدادا لتيار من الواقعية التى ظهرت فى الثمانينيات، يمثل فيها المكان عاملا مهما من عوامل التعبير، مع اهتمام خاص بالمهمشين والبعد عن إظهارهم بفجاجة كما تفعل الأعمال الشعبوية واسعة الانتشار، يسيطر الخط الثانى بقضية بفساد شركة الأدوية الأجنبية على العمل مزيحا اكتشاف الحياة المزدوجة للاب وإخفاء زواجه الثانى عن أسرتيه وكان هموم القضية العامة يفوق فى أهميته قضيتهم الخاصة.

«مسار إجبارى» يمجد الذكورة بطريقة غير مباشرة، الابن الأكبر سيصبح كبير العائلة متحملا الميراث الثقيل مؤجلا حلم التحقق بالسفر للدراسة فى الخارج، كما يقدم الفتيات نابهات، قويات الشخصية على علاقة ندية بالشباب، تسانده فى سعيه ولا تتخوف من استغلاله لها بل تثق به وفى قدرتها على المشاركة.

شاهد المزيد من أخبار مسلسلات رمضان 2024 عبر بوابة دراما رمضان

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر منقول وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا